تطوّر الرواية العربية عبر الزمن : من الواقعية … الى الاغتراب ؟

تطوّر الرواية العربية عبر الزمن : من الواقعية … الى الاغتراب ؟

Partager

في إطار أنشطة ضيف الشرف "لبنان" البلد الذي اختارت الدورة 33 من معرض تونس الدولي للكتاب تكريمه، ألقى الروائي اللبناني غسان الديري يوم السبت 25 مارس محاضرة بعنوان "تطوّر الرواية العربية" واستعرض من خلال مداخلته المراحل المختلفة التي مرّت بها الرواية العربية منذ نشأتها وتكوّنها إلى حدود واقعها اليوم.

 

وقد استهلّ الروائيّ غسان الديري مداخلته باستعراض لتاريخ نشأة الرواية في العالم مشيرا الى أن الرواية باعتبارها فنّا أدبيّا ظهرت في أوروبا إبّان القرن الثامن عشر، لكنّ جذورها تمتدّ في عمق التاريخ إذ أنّها اغريقية ورومانية بالأساس ظهرت مع ظهور الاسطورة مرورا بالروايات الاوروبية في العصر الوسيط والرواية الأنقليزية ورواية القرن التاسع عشر ثم رواية القرن العشرين التي تمثّل أحد أشكال الحداثة والتطوّر.

 

وعرّف الديري الرواية قائلا "هي فنّ أدبيّ يقوم على سرد نثريّ طويل، يستعرض من خلاله الكاتب أحداثا وشخصيات خيالية افتراضية أو واقعية وتعكس أحداثا على شكل قصة متسلسلة، وهي أكبر الأجناس القصصية حجما".

 

وعن تاريخ ظهور الرواية في الوطن العربي أفاد الديري أنّه ثمّة اختلاف بين النقاد حول ظهور الرواية العربية ولجهة ارتباطها بفنّ الرواية العالمي الذي عرفته أوروبا وكان السؤال الذي تردد كثيرا "هل الرواية جنس عربيّ أصيل جاء امتدادا لأشكال سردية كبرى ظهرت في الأدب العربي كالحكايات الشعبية والقصص الدائرة على ألسنة الحيوان والمقامات، أم إنّها جنس مقتبس جاء ثمرة احتكاك الأدباء العرب بأدباء من العالم لا سيما في القرن العشرين أم إنّها متأرجحة بين هذين المقامين وهي نتاج تأثيرات خارجية ومنها الترجمة التي فسحت المجال لتبنّي فكر الآخر وأدبه أو الاطلاع عليه".

 

وأشار الروائي غسان الديري الى أنّ الرواية العربية بقيت على حالة من التشويه قبل الحرب العالمية الأولى وابتعدت عن القواعد الفنية المتعارف عليها وكانت أقرب الى التعريب والاقتباس منها إلى الرواية حتى ظهور رواية "زينب" للكاتب المصري محمد حسين هيكل (1888-1965) حيث أجمع النقاد على أنّها كانت منطلق الرواية العربية الفنية، فقد اقترب الكاتب فيها من البنية الفنية للرواية الغربية التي كانت في قمّة ازدهارها آنذاك.

 

ولقد كان لهذه الرواية (زينب) أن تتصدّى لواقع الريف المصري وهو أمر لم تألفه الرواية العربية من قبل.

 

إشارة إلى أنّه عقب الحرب الكونية الأولى ومع بدايات الثلاثينات من القرن الماضي راحت الرواية العربية تتخذ منحى أكثر فنية وعمقا وأصالة.

 

وفي إطار هذا التطوّر ظهرت روايات أخرى في الأربعينات والخمسينات لكوكبة من الروائيين العرب ذكر منهم الديري عبد الحميد جودة السحار ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس، غير أن الروائي نجيب محفوظ غدا سيّد الميدان بـ"خان الخليلي" و"زقاق المدق" والثلاثية وهي روايات أضافت إلى أجواء الرواية العربية عوالم أكثر اتساعا.

 

وفي مسار استعراضه لتطور الرواية العربية الحديثة أبرز الديري أن منتصف القرن العشرين كان تاريخ نقلة نوعية كبرى ميزت محتوى الروايات التي ظهرت آنذاك، إذ جنح الروائيون أو جلّهم إلى الكتابة خارج أسيجة الايديولوجيا السائدة (الايديولوجيا القومية لأنظمة بورجوازية الدولة) لا سيما في مصر والشام والعراق وكأمثلة ذكر "الحيّ اللاتيني" لسهيل إدريس) 1955( و"أنا احيا" لليلى بعلبكي و"السراب" لنجيب محفوظ (1949).

 

وقد تميزت أكثر روايات هذه المرحلة من حيث مواضيعها باستبطان الذات وكشف الرغائب وإسماع صوت المرأة المتمردة.

 

وفي سياق التطوّرات أيضا أفاد الديري أنّ الدكتور نجيب الكيلاني هو أوّل من "أسلمت" الرواية العربية على يديه وأوّل من جعل من ثوابت العقيدة وأخلاقيات الإسلام هدفا روائيا.

 

وبتكرّر تجربة الكيلاني ذهب بعض النقاد الى أنّ وراء هذه النزعة التي تمظهرت في زمن السبعينات من القرن الماضي ايديولوجيات تخدم الاتجاه الأصولي الذي استشعر مخاطر الرواية في شكلها الحديث على الفكر التقليدي والمواضيع الموروثة واللغة المحنطة.

 

ثم جاءت مرحلة ما بعد هزيمة 1967 وظهرت نصوص جديدة تحفر في عمق مسالك الوعي ململمة ما قد يسعف المواطن العربي في شحذ هذا الوعي وإدراك موقعه داخل مجتمع مسلوب الإرادة.

 

وفي رصد لأهمّ سمات الرواية العربية الحديثة أقرّ الديري قدرتها على التواصل مع عوالم كثيرة ومنها الصوفية والخيال والتاريخ والواقع مما جعلها من حيث التركيبة أكثر تعقيدا.

 

ووصلت الوراية بذلك الى مرحلة النص المفتوح الذي يفضي إلى قراءات وتأويلات متعددة.

 

وفي استعراضه لبعض الأعمال المغربية ذكر الديري مثال رواية "الزاوية" للتهامي الوزاني 1942 و"في البطولة" لعبد المجيد بن جلون 1967  و"سبعة ابواب" 1965 لعبد الكريم غلاب .

 

بيد أنّ الرواية التجريبية في المغرب العربي انطلقت من منتصف السبعينات من القرن الماضي فكانت المواضيع التي تنهل من التراث والظواهر الغرائبية وتكسير سطوة اللغة القديمة.

 

وانتهى غسان الديري إلى تعديد ملامح عامة للرواية العربية لخصها في 4 نقاط وهي أنّ الرواية العربية المعاصرة توظف السيرة الذاتية أو عنصرا من عناصرها في المتخيل الروائي كعامل مشابهة بين الشخصية الروائية والشخص في الحياة أي كعامل يخلق صورة المرجعي الخاص.

 

وتوظّف الرواية العربية المعاصرة تقنية تعدّد الرواة في أكثر من مدلول خاص يرتبط بواقع مرجعي.

 

إلى جانب اعتمادها على تقنية الراوي الشاهد في توليد صورة الشخصية المجتمعية الراهنة، فالبطل القومي الذي كان في رواية الثلاثينات والاربعينات ولربما الخمسينات صورة لشخصية نموذجية تختزل الاشخاص وتمثل الإنسان في كليته، هذا البطل ترك مكانه في أكثر من رواية عربية لصورة شخصية قلقة وممزقة وربما عاجزة تكتفي بالشهادة على الصراع الغامض والمعقد فيها يحملها على السؤال المعرفي من جديد على نفسها.

 

وأوضح في نقطة رابعة أنه ورغم ارتباط الرواية العربية بواقع التاريخ الحديث وضياع مفهوم الحقيقة أو غياب الرؤية النقدية أو الى التغريب والغموض فإنّ هذا الارتباط نفسه أدى في بعضها الآخر الى صياغة مفهوم الواقعية من جديد وذلك عن طريق الاقتصاد في العبارة بدل الإسهاب في الوصف والحرص على تقديم الشخصية السوية مثلما نرى في رواية"عودة الطائر الى البحر" لحليم بركات ورواية "التيه" لعبد الرحمان منيف.