ضربة في الرأس لهشام العسري: سينما هستيريّة لشعب غاضب

ضربة في الرأس لهشام العسري: سينما هستيريّة لشعب غاضب

Partager

 

من الأفلام التي شاهدناها من أجلكم حتى ندعوكم لمشاهدتها في عروضها المتبقية في مهرجان أيام قرطاج السينمائية، فيلم "ضربة في الرأس" للمخرج المغربي هشام العسري.

 

ضربة في الرأس:

لقد تعوّد الجمهور التونسي على السينما المغربية منذ السنوات الأولى لأيام قرطاج السينمائيّة، فطبعت ذاكرته العديد من عناوين الأفلام وأسماء المخرجين. دخل على هذه الأسماء، في السنوات الثلاث الأخيرة، اسم جديد، قد أثبت إيجاده لطابعه الخاص والمتميّز عربيّا وحتى عالميّا. نحن نتحدّث عن هشام العسري الذي أبهر جمهور السينما في تونس سنة 2015 بفيلم "هم الكلاب C’est eux les chiens »، ثم في سنة 2016 بفيلم "جوّع كلبك Starve Your Dog ». هو يعود هذه السنة ب"ضربة في الرأس" ليحدث الفارق في البرمجة ويكون محلّ رهان على التانيت الذهبي.

 

يعود الفيلم إلى سنة 1986، خمس سنوات بعد ثورة الخبز في المغرب سنة 1981. حدث فارق في التاريخ السياسي والاجتماعيّ لهذا البلد، لما تركه من وقع غضب وكره لدى العائلات التي فقدت كلّ منها أحد أفرادها جرّاء سجنه أو قتله.

 

ربّما لا يختلف هذا الفيلم عن بقية أعمال العسري الذي لا يكفّ عن نقد النظام المخزنيّ في المغرب من خلال تعريته بشكل مضحك وأقرب للسرياليّة في سينمائيّته، لكنّه هذه المرّة ينزل بثقل أكبر بكثير من العادة، ثقل الطرح المباشر، والمغمور بجماليّة لم نعهدها ولا ندرك تصنيفها إلى حدّ طرح سؤال بتعجّب كبير: مالذي يفعله هشام العسري؟

 

ما يفعله عسري بضربة في الرأس، هو إدخالنا في عالمه الخاص من التجريب الاستيتيقي، بكاميرا لا تكفّ عن التحرّك في اتّجاهات كثيرة، فنتنقّل عن طواعية معها ودون وعي شمالا وجنوبا وسماءا وأرضا، حركة تصل إلى الدوران الذي يشعرنا بدوار وارتجاج. لم تنته عمليّة التكثيف التي انتهجها العسري في الفيلم عند حركة الكاميرا، إنّما عند الألوان الفاقعة في الفيلم، فنتفرّج كما لوكنّا تحت تأثير مخدّرات قويّة، تجعل منّا نرى الألوان بشكل أصفى وأدقّ من الحالة العادية للنظر. كلّ هذا والتمثيل الكاريكاتوريّ للشخصيّات، يجعل من الموقف واضحا وضوح الشّمس: نحن أمام هيستيريا جماعيّة لشعب لم يتجاوز أثر الظروف التي مرّ بها، شعب يعيش تحت نظام تنويميّ ولا يستطيع استيعاب حالته الداخليّة ولا تصريف مشاعره المتناقضة في رد فعل محدّد ومتناسق، نحن أمام الحقد الذي يملأه الخوف وأمام النكران.

 

ضربة في الرأس، فيلم ضاجّ بالتشفير والترميز ورحلة سرياليّة إلى وقع قريب، لسنا بكثيري البعد عنه.