عيساوية البلوط: الغناء الهزلي في وجه التزمّت

عيساوية البلوط: الغناء الهزلي في وجه التزمّت

Partager

 

عيساوية البلوط، قد يبدو الإسم غريبا وخارجا عن المألوف ولكنها تجربة فنية كانت بالنسبة إلى المشاركين فيها فذّة وملهمة وفتحت لهم الباب على مصراعيه كي ينتجوا أعمالا هزلية ظلّت محفورة في الأذهان. عيساوية البلوط من الأعمال الكوميدية التي كان التونسي يشاهدها  في شهر رمضان وكانت فعلا من أفعال المقاومة إلى حدود السبعينات، لا المقاومة السياسية بمعناها المجرّد وإنّما المقاومة الفكرية، مقاومة التزمّت.

 

 كانت البداية مع مجموعة من المواطنين في الحلفاوين، لا نعرف عنهم شيئا، سوى أنهم أرادوا الردّ، حسب إمكانيّاتهم، على بعض الشيوخ المتزمتين، فبادروا بتكوين فرقة للغناء الهزلي أطلقوا عليها اسم "عيساوية البلوط". هذه الفرقة الغنائية، وكما هو متداول، لا علاقة لها بالطريقة العيساوية المتجذّرة في تونس ولكنهم أخذوا عن نوباتها (من النوبة) بعض الطبوع والألحان، ولا علاقة لها بشجرة البلوط الضخمة، وإنّما بكلمة "البلّوط" في لهجتنا العاميّة والتي تعني "الكذب"، وهكذا فلن يؤخذ اسم الفرقة كثيرا على محمل الجدّ من قبل الناس ومن قبل السلطات ربّما.

 

 الشيخ، هو الشخصية المحوريّة لعيساوية البلوط، فجميع الأغنيات الهزلية تدور حوله وكأن بأعضاء هذه الفرقة أرادوا أن يزيحوا هالة القداسة عن هذه الشخصية الحاضرة بقوة في المخيال الشعبي التونسي ويحوّلوها إلى موضوع هزليّ. ومن الأغنيات الأكثر شهرة لعيساوية البلوط تلك التي تقول كلماتها:

 

    الشيخ ما يكالش***مريض ما يقدرش

   جيبولوا بهيم محشي***بعد العشاء تحريش

   الشيخ شاهي فطور***قصعة وعليها ثور

   دلاع باني سور***ومدافعو بطيخ

   يا شيخ يا مرنيخ***خلي لولاد تشيخ

 

  يرتدي أعضاء عيساوية البلوط لباسا أقرب إلى لباس المهرّجين في السرك، طرابيش ذات ألوان وأحجام مختلفة، جُبب بأكمام واسعة، وأحذية طويلة، كما يرتدي بعضهم لحيّا من الصوف في إشارة رمزية تهكّمية إلى لحيّ الشيوخ المتزمتين. ويعتمدون أساسا على الآلات الموسيقية الإيقاعية مثل "البندير" و"الدربوكة" و"الدف" كما لهم، مثلما ورد في بعض المقالات الصحافية التي اطلعنا عليها، آذانهم الخاصّ ويقولون فيه:

 

    أذّن آذان ضرب مدفع***على كل ألوان السفرة تنصبت

    أوّل ما بديت حكة حليت***منها نفيت وشبعة شربة

     

 تعتبر عيساوية البلوط بمثابة المدرسة التي تخرّج منها كبار الكوميديّن في تونس مثل نور الدين القصباوي مُقتبس مسرحية "الماريشال عمّار"، كما تخرّج منها روّاد الغناء الهزلي أمثال محمد الحدّاد والهادي السملالي الذي، حسب تقرير مصوّر عُرض بالتلفزة الوطنية، "كانت بدايته الفنية مع فرقة عيساوية البلوط  وقد حددت مشاركاته مع هذه الفرقة طابعه الفني القائم على المزج بين المسرح والغناء الهزلي". وقد ساهم الهادي السملالي في إثراء المدونة الغنائية الهزلية بأغان نقدية تعبّر بشكل أو بآخر عن هواجس التونسيين وعن حياتهم اليومية مثل "عمري ما سكرت" و"عندي ولدي يا حضار" و"المترجم".

 

أعضاء عيساوية البلوط علَموا الناس الذين ملّوا حياة الجدّ كيف يضحكون، فعن طريق الغناء الهزلي حاولوا مقاومة المغالاة منتصرين لثقافة الحياة، داحضين تلك المقولة الساذجة المنسوبة إلى مجهول "كما أن الكلب المسرور يهز ذيله فكذلك الإنسان المسرور يحرك فكه"، لأن الضحك موضوع فلسفي خصّص له كبار الفلاسفة حيّزا مهما في كتاباتهم مثل نيتشه Nietzshe في "ما وراء الخير والشر" وهنري برغسون Henri Bergson في "الضحك: محاولة في دلالة الهزلي" وديكارت Descartes في "أهواء النفس" وآخرون، "فيا أيها الإنسان الأعلى تعلّم كيف تضحك" هكذا تكلم زرادشت.   

ملاحظة: صورة الغلاف هي للهادي السملالي الذي كان أحد أعضاء عيساوية البلوط في فترة من حياته