عرفت العاصمة تونس تزايدا مكثفا لعدد المطاعم وقاعات الشاي. مشهد قام الشيف الفرنسي فريدريك كاسل بإثرائه من خلال فتح فرع لقاعة شاي من الطراز الرفيع تحمل إسمه، كما في العديد من بلدان العالم. .جمعنا كاسل يوم 10 سبتمبر 2018 حول مائدة طعام فاخرة شاركنا فيها قائمة طعام وتشكيلة من الحلويات ذات الطابع الفرنسي. كلّ هذا، في إطار الاحتفال على مرور سنة على افتتاح محلاته بتونسفي البداية، فريدريك كاسل هو بطل العالم في مجال الحلويات لسنة 2013 ورئيس جمعية Relais Dessertمنذ سنة 2003. افتتح محله الخاص الذي يحمل إسمه لأول مرة سنة 1994, وأنشأ بعدها فروع في أماكن مختلفة من العالم على غرار العاصمة اليابانية طوكيو، العاصمة الألمانية برلين والعاصمة المغربية الدار البيضاء. أمّا في تونس، فقد إختار أن يكون مقر الفرع بضفاف البحيرة 2.
خلف الواجهات، فريق مختصّ:
محلات "فريدريك كاسل"، هي عبارة عن قاعات شاي ومطاعم ، وهما مفهومين مختلفين يجمعهما رقي الطابع الفرنسي في مكان واحد. في تونس، يصل عدد العاملين في محل"فريدريك كاسل" إلى 80 موظف ، ذلك دون احتساب العاملين بالمخبر والذين يقارب عددهم 15. يترأس الفريق، الشيف المساعد "Quentin" الذي يشرف على دورات التكوين الخاصة بالعاملين بالمحل، وكذلك تلك الخاصة بالمتربصين الذين يشترط فيهم الحد الأدنى من المؤهلات للإنضمام للفريق بعد التأكد من اكتسابهم المهارات اللازمة لإستعمال التجهيزات المتواجدة بالمخبر. كما يعنى الشيف بمتابعة مراحل تنفيذ وصفات الحلويات حرصا منه على تقديم قائمات طعام ذات جودة، إذ أن تسلسل الألوان، طريقة العرض، إختيار ترتب أشكال القوالب، وغيرها من الأمور التعلّقة بالشكل، تعد عناصر ذات أهمية كبرى في محلات كاسل، حتى أنها تسند إلى العاملين بالمخبر دون غيرهم، على عكس ماهو متداول في محلات أخرى حيث تسند هذه المهمة إلى البائع. هذا العدد الهام من الموظفين بالإضافة إلى نظام العمل المبرمج بعناية، من شأنه حسب رأي الشيف كاسل أن يبرر الأسعار التي تبدو مرتفعة نسبياً والتي تتراوح بين 5 و-12 دينار.
التحدّي المزدوج لمرطبات كاسل!
يسعى الشيف كاسل من خلال ابتكاراته إلى سرد قصة، إذ يراهن في كل قطعة من حلوياته على خلق توافق بين المكونات بطريقة تجعل الزبون يعيش تجربة متفردة من حيث المذاق.
يعتبر الشيف أن مهنة صناعة المرطبات تظاهي مجال الهندسة، إذ تكمن مهمته في تشكيل طبقات متعددة، يختلف ملمسها ومذاقها ولكن بطريقة متناسقة تسمح لكلّ المكوّنات بأن تكون بارزة على حدّ السواء، دون أن يطغى أحدها على الآخر. قد تستغرق مدة إستنباط وصفة سنتين لما يتطلّبه ذلك من خبرة في هندسة المذاق. كما يعمل الشيف بصفة منتظمة على خلق وصفات جديدة بمعدل ابتكارين كل 6 أشهر بما يتوافق مع الفصول. أمّا بالنسبة للأشهر القادمة سيتم تقديم وصفة جديدة للزبائن، إذ تحتوي على نوع نادر من القهوة،حيث يحيل لونها الأخضر على نوع من الغرابة، إلا أنها تمتاز بمذاق سلس ومميز يقطع مع المذاق الإعتيادي للقهوة ويذكرنا فيها في آن واحد.
هنا يكمن التحدي بالنسبة للمستهلك، وهو قبوله بخوض تجارب جديدة من حيث المذاق. لا يقتصر الأمر على ذلك إذ أنه يشكل تحدياً بالنسبة للطرفين على حد السواء، فعلى الشيف أيضا أن يتأقلم مع سلوك المستهلك في مختلف البلدان.أما بالنسبة لتونس فقد استوجب على الشيف كاسل أن يغير الأحجام المعتمدة في قوالب الحلوى، فمثلاً القطع المخصصة لأربعة أشخاص لا تجد إقبالاً على عكس ماهو رائج في المحل الأصلي بفرنسا. وقد صرح فريدريك أن أغلبية المبيعات بفرع تونس تخص المنتجات التي تحتوي على الشكلاطة و على الفواكه الجافة حيث لا تجد تلك التي تصنع من الفواكه الموسمية رواجا كبيراً. وعلى ذكر الشكلاطة فإن فريدريك قد حدثنا عن انضمامه إلى مشروع "Cacao Forest"، وهو عبارة عن منظومة تعنى بالمشاريع المبتكرة من أجل زراعة الكاكاو بصفة مستدامة داخل جمهورية الدومنيكان وذلك باعتبارها المصدر الرئيسي للكاكاو العضوي المستعمل في العالم. يعكس هذا النشاط ما يبديه فردريك للمكونات من عناية خاصة حتى أنه في اللافتات التي ترفق بكل قطعة حلويات معروضة بالواجهة، اختار أسلوب البساطة؛ إذ أن كل لافتة تتضمن أسماء المكونات الرئيسية التي صنع منها المنتج دون إدراج تسميات من الممكن أ، نجد صعوبة في نطقها أو توحي لنا أحيانا بالترف لما تتضمنه من كلمات منمقة، على غرار ما هو معمول به عموما.
"فريدريك كاسل" هي مجموعة فروعلماركة واحدة إلا أن الواجهات فيها لا تتطابق من حيث المحتوى إذ استوجب على الشيف حذف الوصفات التي تحتوي على ال"يوزو" من الحلويات المباعة في تونس. في سياق الحديث صرح الشيف باهتمامه بالمرطبات التونسية إلا أنه يستثنيها من قائمة ما يصنعه لا لشيء إلا لكونه مختص في صنع المرطبات الفرنسية التي تندرج ضمن مفهوم التحلية بعد الغداء في حين تبدو الحلويات التونسية موجهة للاحتفالات والأعياد. وبالرغم من ذلك فإنه يدرج في وصفاته توابل ومكونات شرقية كالشاي الأخضرالذي أدرجه ضمن نكهات المكارون بمقر الدار البيضاء أو كذلك القرفة التي يعتزم ادراجها ضمن ابتكاراته.
كعكة الزفاف: تختتم به الحفلات وبه بدأت مسيرة الشيف :
بالإضافة إلى قطع الحلوى المخصصة للتحلية، يتخصص المحل بصنع قوالب الحلوى المخصصة لحفلات الزفاف والمناسبات الكبرى إلا أنه لا يعتمد طريقة إعادة صناعة موديل من خلال كاتالوغ، إذ يعتبر كاسل أن على قالب الحلوى أن يتماشى مع الموضوع المخصص للحفلة وكذلك الديكور المتبع في مكان الزفاف. لذلك فهو ابتكار وليد اللحظة و مستوحى من تفاصيل خاصة لا يمكن اعادة صياغتها. الكيك بالنسبة لكاسل هو الجزء الذي تختتم به مراسم الاحتفال ولابد أن يكون مميزاً فهو يبقى في ذاكرة المدعوين وعليه تعلق العروس آمالها وغالباً ما يترك تأثيرا على هذهالأخيرة وهذا الأمر تحديداً ما يهم فردريك في مسألة قالب الحلوى ؛ أن تخلق مشاعر لدى الأشخاص.
يبدي الشيف اهتماماً خاصاً بقوالب الحلوى لاسيما وأن بداية مسيرته في مجال الحلويات كانت عندما أتيحت له فرصة مباشرة تربص في محل حلويات مجاور لمحل الجزارة الذي كان يعمل به علماً وأنه لم يكن يبدي اهتماما خاصاً بميدان بيع اللحوم الحمراء فقد كان يطمح لدخول مجال صناعة الملابس الفاخرة. لاحظ فردريك مدى التشابه بين مجال صناعة الملابس ومجال صناعة الحلويات خلال مرحلة تزيين أول قالب حلوى مخصص للزفاف ب"الدنتال" مما دفعه لمزاولة مهنته الحالية خاصّة وأنّه لاحظ ما يمكن لقطعة الحلوى أن تخلقه من مشاعر على عكس قطعة لحم مقدد.