لم تقل "كل الكلام" بل قالت جزءا من كلام يقال في الحب والعشق والحياة..
تعود قيثارة الفن العربي من جديد الى الساحة الفنية وتختار لها "كل الكلام" لتغني من جديد بصوتها الدافئ والناعم ، ولم يكن الحدث عاديا خاصة وأن نجاة الصغيرة تختار عبد الرحمان الابنودي مؤلف "عيون القلب" لتسجل من خلال كلماته هذه العودة التي شهدتها الساحة العربية منذ شهر .
وفي زمن الاغاني العصرية الراقصة والمواكبة لصورة مسرعة ومعان خافقة بسرعة البرق تعود نجاة الصغيرة على وتر طربي وفي لتاريخها الحافل بالدرر الفنية.
وقد مثلت عودتها حدثا تناقلته وسائل الاعلام بحرص على التفاصيل ، منها أن نغم "كل الكلام" الذي استغرق عاما كاملا من الاعداد له والتنفيذ بين مصر وفرنسا وتركيا واليونان قد خلق الحدث وشغل العارفين في المجال الفني ليثمن البعض التجربة وليذهب الموسيقار حلمي بكر مثلا الى ملاحظات سلبية تنتقد صوت نجاة الذي اعتبره "مفبركا" بفعل عامل السن.
كان حلمي بكر وفيا لطبعه المشاكس فيما اختار نقاد آخرون الثناء على هذه التجربة وايفاءها حقها من الاطراء والشكر.
النفم من كلمات الشاعر عبد الرحمان الابنودي كما ذكرنا أما اللحن فهو لطلال (نجل الملك فهد) ، تولى عملية التوزيع يحيى الموجي فيما ظهر للعمل فيديو كليب من توقيع هاني لاشين.
وتقول كلمات الاغنية :
كل الكلام قلناه، وادينا زي ماحنا
لو يوم جميل عشناه، كانت هانت جروحنا
حبيبي إنت غاوي دايماً تقول كلام
لو الكلام بيداوي، ليه حاسّة بآلام؟
كل الكلام قلناه
ان كان على العتاب، عاتبتك لما دُبت
لا جرح قلبي طاب، حبيبي ولا انت توبت
وانا رقة كلامك بتخليني اعود
واكدِّب جرح قلبي واصدق وعود
منين بتجيب كلامك؟ كلام جميل بيعجب
خلاني اقول لجرحي، يا جرحي ليه بتكدب!
كدبك غريق وياما خدني لأحلام سعيدة
واخاف امشي ف طريقي وارجع منه وحيدة
حبيبي إنت غاوي دايماً تقول كلام
لو الكلام بيداوي، ليه حاسّة بآلام؟
وظف المخرج هاني لاشين صورة متحركة وقديمة لنجاة الصغيرة من أحد افلامها التي صورتها وهي في عنفوان واوج جمالها وشبابها واشتغل على خلفيات طبيعية موازنا بين صور من شواطئ البحر وأخرى من حدائق غنّاء تكسوها الخضرة والورود والأزهار
والصور هي في الاصل لاغنية "ليلة من الليالي" للفنانة نفسها.
وقد كان لنا اتصال بالاستاذ الجامعي مراد سيالة الذي وافانا بقراءة أكاديمية لهذا النغم الذي مثل العودة القوية لنجاة بعد قرار اعتزالها الغناء سنة 2002 وغيابها عن الساحة الفنية لسنوات تجاوزت العقد.
وقد أخبرنا مراد سيالة أن اغنية "كل الكلام" هي في مقام العجم مع تلوينات لحنية في مقامي البياتي والكردي وقد أخذ الملحن بعين الاعتبار خصوصيات لحنية تتلاءم مع صوت نجاة وقد اتسمت الحركات اللحنية بالبطء .
والملفت للانتباه -حسب تصريح ضيفنا- أن المساحة الصوتية الجملية للاغنية لم تتجاوز حدود الديوان أي 8 درجات موسيقية وهذا الامر فرضته طبيعة صوت نجاة من جهة وسنها من جهة أخرى والذي يبدو أنه لم يعد يحتمل الطبقات الحادة .
الناحية الجمالية
وخص الأستاذ مراد سيالة الجانب الجمالي من الاغنية بهذه الملاحظات وقال "كل الكلام " متناسبة تماما مع اللون الموسيقي الذي تميزت به نجاة كما عهدناها ، فالاغنية عاطفية ومتقنة اللحن والتوزيع وقد غنتها نجاة بأسلوبها المالوف ، لكن السامع المختص يدرك أنها لم تعد تغني بالسلاسة التي عهدناها بها وتظهر نجاة الصغيرة في بعض المقاطع لاهثة وراء الجمل الموسيقية عند الأداء".
سحر نجاة
ويبقى لنجاة سحر خاص في الغناء الذي يعتبره المختصون همس عميق في روح الانسان وفي قلب كل عاشق للفن والغناء.
وأن تغني نجاة في سن الثامنة والسبعين بتلك القدرة على التبليغ فهذا الانجاز في حد ذاته تجلّ من تجليات عشق الحياة والصمود في وجه الزمن والمتغيرات.
فتاريخ نجاة حافل بالنجاحات وعودتها الى الساحة الفنية بهذا الحرص على الوفاء على الجانب الرقيق والمؤثر فيما تؤديه هو علامة فارقة في زمن الاثارة والركض وراء ايقاع سريع متدفق وآسر لحركة الجسد.
والحديث عن الوفاء في زمن المتغيرات يحملنا حتما الى "كل الكلام" التي كانت فيها نجاة وفية لتاريخها الفني والمنهاج الفني الذي راهنت عليه منذ أول ظهور فني لها في خمسينيات وستينيات القرن المنقضي.