بعد العرض ما قبل الأوّل خلال أيام قرطاج المسرحية، قدّم فتحي العكّاري سلسلة عروض ل"نساء في الحب والمقاومة"، يومي 17 و18 مارس 2017 في فضاء الحمراء بالعاص
إن كان للإنسانية جغرافيا، فهي حتما ستكون بين بحرين لا حدود لهما، التفكير والحركة.
هذان المفهومان اللّذان لا يلتقيان الّا وحصلت ثورة أو قطيعة في التاريخ ليتم التأسيس الى تاريخ جديد.
يكمن هنا ألم الإنسان في جميع تجلّياته، كوحش، كاله، كشيطان، كتعبيرة فنيّة وكرمز، والتي اجتمعت كلها في آخر ابداعات المسرحي الكبير فتحي العكاري "نساء في الحب وفي
المقاومة".
فاوست الأسطورة بين مسرح غوته وركح العكاري
تعود أسطورة فاوست إلى القرن الرابع عشر، هذا العالم الذي باع روحه للشيطان ميفيستو، جامع الأرواح الملعونة، ليسترجع عمر الشباب، يكتشف أسرار الطبيعة وتباح له كلّ المحضور من متع الحياة.
حوّل الكاتب الألماني غوته هذه القصة التي تناقلتها الأجيال إلى عمل مسرحيّ انقسم الى جزأين في اقتباس حرّ لكنّه وفيّ للحكاية الأم. ولم يتوقف الاقتباس عن هذه الأسطورة في تاريخ الفن منذ القرن التاسع عشر الى الآن. فبالإضافةإلى الموسيقى والتلفزيون، تحتل شخصيّة فاوست مكانة كبيرة في السينما بداية من فيلم "عزبة الشيطان"Le manoir du diable للمخرج الفرنسي George Méliés سنة 1896 إلى فيلم Faust للمخرج الروسي Alexadre Sokourovسنة 2012.
عاد هذا الكيان الى المسرح، دون أن نراه جسدا، مع فتحي العكاري الذي استحضر روحه في أجزاء من العرض وطردها من تفاصيل أخرى، ليقول أنّ في كلّ انسان فاوست، في كلّ مفكّر، في كلّ ثورة، وفي كلّ فنّان. ذلك الشعور بالعجز، بعدم الانتماء، تلك الرغبة في الانعتاق وذلك الخوف من الموت، وأنّه من الممكن أن نتخلّص منه اذا تجرّأنا على الفعل دون انتظار معجزة ما.
"نساء في الحب والمقاومة" هي لوحة تتأرجح بين الاختناق والأمل، بين التطلّع الى مستقبل وسوداوية النظر اليه في نصّ يحمل هموم العالم وفيه للذاتية عنوان.

مسرح الواقع... ميتافيزيقا النص
تنطلق "نساء في الحب وفي المقاومة " بمشهد أشبه بالصدمة، مشهد يعلن أن لامكان للمتناسين في القاعة، وهو فيديو للشهيد شكري بلعيد حين غنّى أغنية حياك في أحد القنوات التلفزية ويتبعه فتحي العكاري بمناش مسامحين. ثمّ ينطلق العرض بديكور بسيط لا يتغيّر، كما لو أنه قطعة من أحد منازلنا، لا تخلو من جلد الخروف الملقى في أحد أركان الغرفة، السجائر، المنفضة، قارورة النبيذ وكرسيّين. كما يستدعي العكاري مجموعة من الشخصيات والقصص الحقيقية التي مزجت في طرحها على الرّكح بتصور ما ورائي كذلك الذي تمتاز به أسطورة فاوست.
يلعب فتحي العكاري دور المسرحيّ الذي خسر حبيبته بسبب ولعه الكبير بالمسرح "الوحي ... c'est comme une religion" لعيش حالة من التوهان كتلك التي عاشها فاوست حين توقّف أمام عجزه عن حلّ مشكلة علمية ما. لكنّنا عند المشاهدة، لا يمكن أن نعرف أيّهما فتحي، هل هو فاوست الذي خسر كلّ شيء ليجلس في ركن من الرّكح يكتب عن تشضّي الفنان وعن الجنون وينتظر معجزة ميفيستو؟ أم أنه ميفيستو الذي أعاد الحياة الى كلّ الأرواح التي افتقدناها وضلت تعيش معنا وفينا، من شكري بلعيد الى الصغير أولاد أحمد و عزالدّين قنون.

نساء في الحب... نساء في المقاومة
مريم العكاري وهيفاء بوالأكباش، امرأتين على الركح، جسّدت كلّ دورها بكلّ ما بتطلبه اللعب الركحيّ من تماه مع الشخصية حتى الانصهار فيها، فلم نعد نشاهد أجسادا ولا تمثيلا، بل أصبحنا نتعامل مع مفاهيم. نعيش معهما الألم، نعيشالغضب والحقد ونعيش الأمل. نساء في الحب أعطت كلّ منهما ما تملك لحلم الثورة، للفنّ، لذلك الفنّان الذي يملأ حياتها ولمجتمع أنجبته بنفسها. ونساء في مقاومتهم جميعا، احباط الثورة، خذلان الفنّ، جبن الفنّان وتخلّف المجتمع.
نساء تقاوم لأنّهنّ نساء يلدن من جديد أملا و"انتصارا". هنّ نساء، حتّى لا ننسى من نحن.