نصرت فتح علي خان: صوت "القوالي" في العالم

نصرت فتح علي خان: صوت "القوالي" في العالم

Partager

 

نصرت فتح علي خان، اسم مركّب لا يخفي أصوله الباكستانية والمسلمة بالأساس، ولا يخفي أيضا النسب العريق الذي من الممكن أن تنتمي إليه مثل هذه الأسماء، لكنّ الأهمّ، هو أنّه لم يستطع شيء إخفاءه، حتى الموت، لم توار صوته تحت التراب.

نصرت فتح علي خان، هو سليل عائلة موسيقيّة بامتياز، تمتدّ جذورها إلى أكثر من 700 سنة ماضية، عرفت بفنّ القوالي الذي قام نصرت فتح بنشره في العالم بين ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، ليخلق بذلك اعترافا عالميّا بهذا الفنّ بعد أن شارف على التلاشي.

القوالي هو فنّ شائع في منطقة جنوب آسيا كأحد أشكال الموسيقى الدينية الصوفية، لكنّه لم يبارح أضرحة ومقامات هذه البلدان إلّا حين سافر نصرت إلى فرنسا ليقدّم سلسلة عروض في مسرح المدينة Théâtre de laVille في باريس سنة 1985.

 

 

اذا كنّا نعرفه.. سنتحسّر

 

حين نقرأ عن حياة هذا الرجل، وفي حال كنّا نعرف جيدا موسيقاه ونحبّ كثيرا أعماله، سنشعر ببعض الاختناق والخوف، عندما نعلم أنّ هذا الصوت الذي لا يعرف نهاية، كان يمكن ألّا يوجد، أو على الأقلّ ألّا يصل إلى مسامعنا، سنحسّ بإغماء خفيف ونطرح أسئلة عن فنّانين مغمورين كان يمكن أن يكون من بينهم، فلا نغرق في خاناته الصوتية الطويلة جدا والأخّاذة على نحو ما. ولد هذا العبقريّ في فيصل أباد بالباكستان في مثل هذا اليوم في 1948، إثر سنة من انتقال عائلته من أحد القرى البنجابية بالهند بعد الإنقسام الشهير للهند سنة 1947 لتصبح دولتين مستقلّتين: الباكستان وجمهورية الهند. لم يكن والده راغبا في إدماجه في عالم الموسيقى رغم موهبته الكبيرة، متيقّنا أنّ موسيقى القوالي بصدد الاضمحلال وأنّه لن يكسب منها عيشا يسيرا، متوقّعا له مستقبل طبيب أو مهندس، لكن إصرار هذا الطفل الذي طالما استرق النظر لورشات والده الموسيقيّة، جعل هذا الأخير يقتنع في النّهاية سانحا له الفرصة للمشاركة معه في بعض الحفلات بعد تعليمه إيّاه العزف والسّماح له بدراسة الموسيقى الكلاسيكيّة. لم تدم هذه العلاقة الموسيقيّة بين الأب وابنه سوى بضع سنوات، حيث توفّي فتح علي خان حين كان نصرت لا يبلغ من العمر سوى 16 سنة.

 

من المفارقة أن تكون وفاة والده، منعرجا كبيرا ومحدّدا لسيرته الفنيّة، لكن من العاديّ أنّ تكون مواصلة مسيرة العائلة العريقة، حافزا أساسيّا يجعل من نصرت قائد مجموعة القوالي بعد أبيه حيث قدّم أوّل حفل معهم في أربعينيّة أبيه سنة 1971. حقّق نصرت نجاحه الأوّل في نفس السنة بأغنية حق علي علي التي قدّمها بألحان وآلات تقليديّة.

 

 

 

 

 

إذا لم نكن نعرفه… فنحن نعرفه

 

أمّا إذا لم نكن نعلم عن هذا الرّجل شيئا، فمن الأكيد أنّه قد اعترضنا في العديد من مراحل حياتنا دون أن نعلم، فدخول نصرت فتح الباهر في العالم الأوروبي ثمّ العالم الأمريكي، حقّق تعاونات هامّة مع مخرجي أفلام شهيرة كفيلم Dead Man Walking لمخرجه تيم روبينز Tim Robbins، حيث قدّم خلاله أغنية "الطريق الطويلة The Long Road " صحبة الفنان الأمريكي إيدي فيردر Eddie Verder.

 

 

 

 

اعترضنا نصرت أيضا في موسيقى فيلم Natural Born Killers للمخرج الكبير أوليفر ستون Oliver Stone، لم يطلب هذا الأخير حقوق التأليف من صاحبها، ما أزعج الموسيقار الذي أعلن أنّه لم يوافق على ادراج الموسيقى ضمن الفيلم، خاصّة وأنّه يتنافى بشكل تام وقناعات نصرت الدينيّة والصوفيّة بالخصوص.

لن يبقى لنا أيّ مبرّر لعدم معرفة نصرت فتح، حين نعلم أنّ أغنية Mustt Mustt التي قدّمتها المجموعة البريطانية الشهيرة Massive Attack هي بالأساس لنصرت، وقد قامت المجموعة بإعادة توزيعها لتنال رواجا أسطوريّا.

 

 

 

 

في حال كنّا من المطّلعين على كتاب غينيس، سنجد اسم نصرت فتح علي خان، كأكثر مغنّي القوالي إنتاجا في العالم، فقد حقّق الرّقم القياسيّ بعدد الألبومات التي تفوق الخمسين والتسجيلات التي تجاوزت المائة وخمسة وعشرين، وهو عدد مأهول بالنسبة لعمليّة الإنقاذ التي قام بها هذا الرجل لهذا النوع الإثني من الموسيقى.

 

نصرت فتح علي خان، اسم مركّب فعلا، لا يخفي عمق تجربة صاحبه المكثّفة والعميقة، يكفي أن يمرّ بمسامعنا حتى نستذكر هذا الصوت الجهوريّ الذي يرحل بنا للقرى الآسويّة بشساعتها وبروحانيّة أهاليها وعاداتهم الضاربة في القدم. توفي نصرت يوم 16 أوت 1997 جراء أزمة قلبية تاركا المشعل لابن أخيه الطفل راحات فاتح علي خان.