عالبار لسامي التليلي: كرة تميم تلقي بتونس على العارضة

عالبار لسامي التليلي: كرة تميم تلقي بتونس على العارضة

Partager

الإضراب العام، خطاب الحبيب عاشور، أول دولة إفريقية تترشح لكأس العالم،  محاولة انقلاب وسيلة بورقيبة، الهادي نويرة، فوز على المكسيك، إطلاق النار على المتظاهرين، بن علي مدير أمن وكرة تميم على العارضة.  كل ما ذكرناه بالإضافة إلى عشرات التعبيرات الأخرى، تشكل باجتماعها معا ذاكرة إحدى السنوات الفارقة في تاريخ تونس وشعبها، سنة 1978 العظيمة، وهي أيضا مجموعة من الأوراق المبعثرة على طاولات متعددة ومختلفة، يعيد سامي التليلي ترتيبها على طاولة واحدة في فيلم "عالبار" (على العارضة)  الذي شارك مؤخرا في أيام قرطاج السينمائية، وخرج للقاعات منذ يوم 03 نوفمبر 2019.

بدا من الواضح أن "عالبار" يجمع بين موضوعين أساسين، هما ترشح تونس لكأس العالم بالأرجنتين سنة 1978  في لحظة تاريخية ربما اتحدت خلالها مشاعر التونسيين بشكل لم يسبق له مثيل،  وأحداث الخميس الأسود  من جانفي 1978 التي تعتبر إلى اليوم رجة عصفت بالمشهد السياسي حينها على مستوى الطبقة الحاكمة والمعارضة على حد السواء.

بين هذا الموضوع وذاك، تأرجح سامي التليلي بخفة عظيمة موليا نفس الأهمية لكلا الموضوعين، مارا بسلام على الواضح من الأمور ونابشا في خفايا الغامض منها. لا يعني هذا بأي شكل أنّنا أمام فيلم محايد يكتفي بسرد الأحداث، بل على العكس من ذلك، نحن أمام بناء متماسك لمجموعة من المواقف التي تظهر على مستويي الشكل والمحتوى في الفيلم. منذ البداية، يقدم الفيلم نفسه كفيلم شخصي ليس فقط لأنّه مبنيّ بالأساس على سؤال شخصي طرحه المخرج على نفسه منذ سنوات وهو "علاش أمي ماتحبّش الكورة؟"، لكن أيضا لأن تدخلات المخرج المتكررة في مراحل عدة من الفيلم، مثلت واحدا من الخيوط الرابطة بين هذين الموضوعين الذين تحولا إلى قصة واحدة ذات نسيج متجانس نتابع تفاصيلها بكل فضول لمعرفة ما ستفضي إليه الأمور في النهاية.

 تركيب (مونتاج) فريد من نوعه، حدّد شخصية الفيلم وهويته وجعل منه وثيقة تاريخية تلبس بكل استحقاق ثوب العمل السينمائي، حيث لم ينجح من خلاله سامي التليلي فقط في إعادة كتابة الفيلم، إنّما في إعادة كتابة صفحة مطولة من تاريخ تونس بواسطة التكثيف من زوايا النظر لكلا الموضوعين، طريقة استغلال وثائق الأرشيف وترتيب المداخلات بما ينتصر للبعض ويورط البعض الآخر في واحد من أكثر الأحداث دموية في تاريخ تونس.

لم يخجل سامي التليلي من إظهار سخريته من بعض المواقف الجدية التي تخص السياسة أو الرياضة أحيانا، ولا من تقزيم ما نعتبره أحيانا أسطوريا وإعطاء قيمة لما ظنناه تفصيلا في وقت ما، موقف آخر، كانت فيه الموسيقى التصويرية الحليف الأكبر ضمن عناصر الفيلم وداعم أساسي في استساغتنا لبعض النقاط السوداء في تاريخ تونس والتي نكتشف بعضها لأول مرة بفضل الفيلم.

ما يميّز "عالبار"، هو تخلّيه شبه التام عن الوصف، وتبنيه المطلق لوظيفة السرد، عملية يمكن اعتبارها انتحارية في السينما لكنها انتهت بولادة ناجحة لأثر سينمائي ممتع وذكي. سردية على الرغم من تنوع المداخلات فيها وتعددها، فهي تحمل حسب قراءتنا شخصيتين رئيسيتين، أوّلهما كرة تميم التي ارتطمت بالعارضة فحطمت كل آمال التونسيين في مواصلة المشوار الأسطوري للمنتخب التونسي ضمن "ملحمة الأرجنتين"، والثانية هي والدة سامي التليلي التي تعتبر المصدر الأول لنشوء فكرة الفيلم من خلال صفتها النقابية والنضالية خلال معايشتها لفترة الأحداث السياسية المذكورة ولكرهها لكرة القدم التي تحولت في 78 إلى وسيلة لمحو الدماء من ذاكرة التونسيين في أحداث الخميس الأسود والتعتيم على مختلف الكواليس التي كادت أن تنسف بحكومة بأسرها في تلك الفترة.

ماذا لو سجل تميم هدفه ضد بولونيا؟، ماذا لو رفع الطاهر بلخوجة سماعة الهاتف حين اتصلت به وسيلة بورقيبة أثناء إجازته بنيس؟ ماذا لو لم يعلن الحبيب عاشور عن الإضراب العام؟ وماذا لو لم يتول بن علي الإدارة العامة للأمن حينها؟ تاريخ طويل من الأسئلة التي تؤثر أجوبتها بشكل مباشر على واقعنا اليوم، يعود سامي التليلي في "عالبار لمناقشتها انطلاقا من ظروف الماضي وزوايا نظر الحاضر.